الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ) وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَأَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ كَعَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَهُ (وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ) الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عُرْفًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَوْ هُنَا فَقَالَ: عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيمَا سَيَأْتِي فَقَالَ: مَعِي أَوْ عِنْدِي لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ (وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا ظَرْفَانِ، فَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَيْنٍ لَهُ بِيَدِهِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ: قِبَلِي بِكَسْرِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْعَيْنِ، وَالدَّيْنُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ، وَآخَرَ عَلَى الدَّيْنِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ. (وَلَوْ قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ) لَهُ: (زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك) أَوْ هِيَ صِحَاحٌ (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِهْزَاءِ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ: (بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ إي بِمَعْنَى نَعَمْ (أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ؛ فَلِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ؛ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: صَدَقْت أَوْ نَحْوَهُ يُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ إقْرَارًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَالْأَدَاءِ وَالْإِيرَادِ: أَيْ: كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِيرَادِهَا مِنْ الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ عَجَبًا، وَإِنْكَارًا. ا هـ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: مُسْتَهْزِئًا: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْرَأْتنِي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَهُوَ حِيلَةٌ لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْحَقِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي، فِي أَنَا مُقِرٌّ بِهِ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ: أَنَا مُقِرٌّ لَكَ بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ: أَيْ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْتُ بِهِ غَيْرَكَ كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الدَّرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِ؛ (أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ أَوْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ كَانَ إقْرَارًا مَعَ احْتِمَالِ الْوَعْدِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَنَا أُقِرُّ بِهِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ) أَوْ هَلْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ)؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا (وَفِي نَعَمْ) فِي صُورَةِ الْمَتْنِ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ، فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لَهُ قَالَهُ فِي النَّفْيِ، بِخِلَافِ بَلَى، فَإِنَّهَا لِرَدِّ النَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا، فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ. وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ بَلَى إقْرَارًا دُونَ نَعَمْ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ، وَنَعَمْ إقْرَارٌ بِالْعَبْدِ مَثَلًا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدِي كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدِي، لَا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَاهُ: لَا تَدُمْ الْمُطَالَبَةُ، وَمَا أَكْثَرُ مَا تَتَقَاضَى لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ: اشْتَرَيْتُهَا أَوْ مَلَكْتُهَا مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك كَانَ إقْرَارًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ، وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ، أَوْ أَجِدَ) أَيْ: الْمِفْتَاحَ مَثَلًا، أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ (فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِالْتِزَامِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ فِي أَقْضِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ: أَعْطِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ اللَّفْظَ بِدُونِهِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ دُونَ أَنَا مُقِرٌّ، وَلَوْ قَالَ: كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَانَتْ لَك عِنْدِي دَارٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ مِلْكَك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ. وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك مِنْهَا كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ، وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ: أَسْكَنْتُكَهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَ عَلَيَّ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَهُمَا صَادِقَانِ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَا عَلَيَّ بِأَلْفٍ صَدَّقْتهمَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ مَا لَوْ قَالَ: مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ: إذَا قَالَ زَيْدٌ: إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ: كَمْ تَمُنُّ بِهِ عَلَيَّ، أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك غَيْرَهُ كَانَ إقْرَارًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْك كَذَا: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ بِفَتْحِ اللَّامِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك، أَمَّا لَوْ قَالَ: مِنْ مَالِكَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت، فَهُوَ إقْرَارٌ لِزَيْدٍ، وَلَوْ كَتَبَ زَيْدٌ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَغَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا، وَلَوْ لُقِّنَ إقْرَارًا أَوْ غَيْرَهُ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْهُ، وَأَمْكَنَ عَدَمُ فَهْمِهِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَرْت، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُكْرَهٌ، وَأَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ، أَوْ كَانَتْ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ مَا قَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الصِّبَا وَلَمْ يُعْهَدْ الْجُنُونُ، وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِكَوْنِ الْمُقِرِّ حِينَ إقْرَارِهِ كَانَ بَالِغًا فِي الْأُولَى أَوْ عَاقِلًا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مُخْتَارًا فِي الثَّالِثَةِ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يُصَدَّقُ لِتَكْذِيبِهِ الْبَيِّنَةَ.
المتن: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ أَيْضًا فَقَالَ: فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا جَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ) حِينَ يُقِرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إزَالَةً عَنْ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ (فَلَوْ قَالَ: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لَغْوٌ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ فَيُنَافِي إقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَحُمِلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي، أَوْ وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي مِلْكٌ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ، فَيَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَارِي لِفُلَانٍ وَأَرَادَ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ سُكْنَى ذَلِكَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دَارِي الَّتِي هِيَ مِلْكِي لَهُ لِلتَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَتَيْنِ إذَا لَمْ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ: مَسْكَنِي أَوْ مَلْبُوسِي لِفُلَانٍ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُنُ، وَيَلْبَسُ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي كَتَبْته عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَلَوْ طَالَبَ عَمْرٌو زَيْدًا، فَأَنْكَرَ فَإِنْ شَاءَ عَمْرٌو أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى زَيْدٍ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِالْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمُقَرِّ بِهِ ثُمَّ بَيِّنَةً بِالْإِقْرَارِ.. فَرْعٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِذَلِكَ، وَفَصَّلَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ فَقَالَ: إنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ صَارَ لِزَيْدٍ فَلَا يَنْتَقِلُ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْحَوَالَةِ وَهِيَ تُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ لَهُ بَقِيَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَمِثْلُ الرَّهْنِ الْكَفِيلُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ، وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ، وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: هَذَا) الْعَبْدُ مَثَلًا (لِفُلَانٍ وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ) فَيُطْرَحُ آخِرُهُ، وَيُؤْخَذُ بِأَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ زَيْدًا أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِعَمْرٍو، وَكَانَ مِلْكَ زَيْدٍ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ، وَفَارَقَتْ الْمُقِرَّ بِأَنَّهَا تَشْهَدُ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا لَمْ يَتَنَاقَضْ، وَالْمُقِرُّ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُؤَاخَذُ بِمَا يَصِحُّ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ: مِلْكِي هَذَا لِفُلَانٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ إقْرَارٌ بَعْدَ إنْكَارٍ (وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ (فِي يَدِ الْمُقِرِّ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا (لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَانَ كَلَامُهُ إمَّا دَعْوَى عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ شَهَادَةً بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَلَا تُقْبَلُ.
تَنْبِيهٌ: كَوْنُهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ شَرْطٌ لِإِعْمَالِ الْقَرَارِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ لَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَاغٍ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: الْأُولَى: مَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ثُمَّ ادَّعَاهُ رَجُلٌ، فَأَقَرَّ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ بِهِ صَحَّ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ الْفَسْخُ. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَ الْغَائِبِ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ، ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ بَيْعِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ عَنْ النَّصِّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَفْتَى بِذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ رُجُوعٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ وَوَقْفَ هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَخَرَجَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ الدَّيْنُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذُكِرَ.
المتن: ، فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ أَقَرَّ) بِشَيْءٍ (وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) حَالَ الْإِقْرَارِ (ثُمَّ صَارَ) فِيهَا (عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ فَيُسَلَّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ (فَلَوْ) قَالَ هَذَا، وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَرْهُونٌ عِنْدَ زَيْدٍ، فَحَصَلَ فِي يَدِهِ بِيعَ فِي دَيْنِ زَيْدٍ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَإِنْ (أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) صَحَّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمُشْتَرِي حُرِّيَّتَهُ اسْتِنْقَاذًا لِلْعَبْدِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ وَتَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ، وَ (حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ، وَتُرْفَعُ يَدُ الْمُشْتَرِي عَنْهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِالْوَكَالَةِ.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالشِّرَاءِ لِأَجْلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِحُرِّيَّةِ شَخْصٍ بَدَلَ عَبْدٍ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُنَاقِضَ الْحُرِّيَّةَ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِالْعَبْدِ الْمَدْلُولَ الْعَامَّ لَا الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ.
المتن: ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ: هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ.
الشَّرْحُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ) فِي صِيغَةِ إقْرَارِهِ (هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ) لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ بِحُرِّيَّتِهِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَائِعُ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا، فَإِذَا مَاتَ الْمُدَّعَى حُرِّيَّتَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ الْخَاصِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ كَمَا مَرَّ وَاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا، وَلَكِنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ شِرَاءِ الْبَائِعِ لَهُ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ هُنَا يُوَرَّثُ بِالْوَلَاءِ بِشَرْطِهِ، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ) الْبَائِعُ وَهُوَ يَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا (فَافْتِدَاءٌ) أَيْ: فَشِرَاؤُهُ حِينَئِذٍ افْتِدَاءٌ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ) عَمَلًا بِزَعْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: بَيْعٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْبَائِعِ، وَقِيلَ: افْتِدَاءٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمُشْتَرِي.
تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَقَطْ، فَإِنَّ الطَّرِيقَيْنِ فِيهِ وَيَفُوتُهُ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرِي، فَلَوْ قَالَ: فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَانَ أَحْسَنَ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَالثَّانِي: أَقْرَبُ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَثْبُتُ فِيهِ) عَلَى الْأَوَّلِ (الْخِيَارَانِ) أَيْ: خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ (لِلْبَائِعِ فَقَطْ) وَيَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ افْتِدَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِعِتْقِهِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ، فَإِنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، وَخَلَّفَ تَرِكَةً فَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِعِتْقِهِ وَرِثَهُ الْبَائِعُ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي إنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا كَاذِبٌ فِي حُرِّيَّتِهِ، فَكُلُّ الْكَسْبِ لَهُ، أَوْ صَادِقٌ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ إرْثًا بِالْوَلَاءِ، وَقَدْ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَتَعَذُّرِ اسْتِرْدَادِهِ، وَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا، فَلَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ مَا يَخُصُّهُ وَفِي الْبَاقِي مَا مَرَّ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَرِثُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، كَأَنْ كَانَ أَخًا لِلْعَبْدِ لَمْ يَرِثْ بَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ، إنْ كَانَ سَلَّمَهُ لَهُ، وَلَا يُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِهِ، إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِي زَعْمِهِ، وَقَدْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِتْقُهُ وَقَعَ قَبْضًا، وَلَوْ قَالَ: إنَّهُ حُرٌّ وَأَطْلَقَ اُسْتُفْسِرَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو سُلِّمَ لِزَيْدٍ، لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ زَيْدٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَهَلْ أَكْسَابُهُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَمْرٍو لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَكْسَابِ فَرْعُ الرِّقِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ مُسْتَحَقَّةً لِلْعَتِيقِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ عَمْرًا غَصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو صَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ، وَأَخَذَهُ زَيْدٌ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَثْبُتَانِ لِمَنْ يَطْلُبُ الشِّرَاءَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مُسْتَنِيبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ فَاسْتَأْجَرَهَا لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ أَوْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُولَى اسْتِخْدَامُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَلَا وَطْؤُهَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَكَحَهَا بِإِذْنِهَا، وَسَيِّدُهَا عِنْدَهُ وَلِيٌّ بِالْوَلَاءِ، كَأَنْ قَالَ: أَنْتَ أَعْتَقْتَهَا أَوْ بِغَيْرِهِ، كَأَنْ كَانَ أَخَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَسَوَاءٌ أَحَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَمْ لَا لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهَا يُسْتَرَقُّونَ كَأُمِّهِمْ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي فِيمَنْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ فَلَا بُدَّ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ. نَعَمْ الْمَسْمُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا.
المتن: وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ، وَسِرْجِينٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ فَقَالَ (وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ) سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءً أَمْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالشَّيْءُ يُخْبَرُ عَنْهُ مُفَصَّلًا تَارَةً، وَمُجْمَلًا أُخْرَى. إمَّا لِلْجَهْلِ بِهِ أَوْ لِثُبُوتِهِ مَجْهُولًا بِوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُخَالِفُ الْإِنْشَاءَاتِ حَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ احْتِيَاطًا لِابْتِدَاءِ الثُّبُوتِ، وَتَحَرُّزًا عَنْ الْغَرَرِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمُبْهَمُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ (فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا أَوْ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ قَلَّ) كَفَلْسٍ لِصِدْقِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّفْسِيرِ أَوْ فَسَّرَهُ، وَلَكِنْ نُوزِعَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ) أَيْ: لَا يُتَّخَذُ مَالًا (لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ) أَوْ قِمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ أَوْ قِشْرَةِ فُسْتُقَةٍ أَوْ جَوْزَةٍ (أَوْ) فَسَّرَهُ (بِمَا) لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَ (يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ) لِصَيْدٍ أَوْ قَابِلٍ لِتَعْلِيمِهِ (وَسِرْجِينٍ) وَهُوَ الزِّبْلُ، وَكَذَا بِكُلِّ نَجِسٍ يُقْتَنَى كَجِلْدِ مَيْتَةٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) لِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِكَلِمَةِ عَلَيَّ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمَالٍ، وَظَاهِرُ الْإِقْرَارِ الْمَالُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: بَدَلَ مُعَلَّمٍ مُقْتَنًى لَدَخَلَ مَا زِدْته وَكَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوُهُ، لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي كَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ رَدِّ وَدِيعَةٍ قُبِلَ لِمَا مَرَّ.
المتن: وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ، وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَامٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُقْبَلُ) تَفْسِيرُهُ (بِمَا لَا يُقْتَنَى) أَيْ: بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ (كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ) مِنْ صَيْدٍ، وَنَحْوِهِ، وَجِلْدٍ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ، وَمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا، وَخَمْرٍ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ، وَلَا اخْتِصَاصٌ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ قَوْلُهُ: عَلَيَّ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا رَدَّهَا لَهُ إذَا لَمْ يَتَظَاهَرْ بِهَا، وَلَوْ فَسَّرَ بِمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِمُضْطَرٍّ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ عَلَيَّ: لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا يُقْتَنَى إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُشْعِرُ بِالْتِزَامِ حَقٍّ، إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: عَلَيَّ وَرُبَّمَا يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ أَوْ حَقِّ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا حَقٍّ؟ (وَلَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِعِيَادَةٍ) لِمَرِيضٍ (وَ) لَا (رَدِّ سَلَامٍ) لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا فِي مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا لَكِنْ إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: الْحَقُّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ، وَفِي الْخَبَرِ {حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ} وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَرَدَّ السَّلَامِ، فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَمْ يُطَالَبْ فِي مَحَلِّهِ إذَا لَمْ يَسَعْ اللَّفْظُ عُرْفًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبَك أَوْ غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ لَمْ يَصِحَّ إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ نَفْسِك قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ نَفْسَك لَمْ يُقْبَلْ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا.
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ، وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكَلْبٍ جِلْدِ مَيْتَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ) مُطْلَقٍ (أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ (أَوْ كَثِيرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ أَوْ جَلِيلٍ أَوْ خَطِيرٍ أَوْ وَافِرٍ أَوْ نَفِيسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ. أَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَالِ فَلِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَأَمَّا عِنْدَ وَصْفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَنَحْوِهَا فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الشَّحِيحِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُفْرِ مُسْتَحِلِّهَا، وَعِقَابِ غَاصِبِهِ، وَثَوَابِ بَاذِلِهِ لِمُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ، وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ لَهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ، وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَيْ: مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ. ا هـ. وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يُلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا وَصَفَ الْمَالَ بِضِدِّ مَا ذُكِرَ كَقَوْلِهِ: مَالٌ حَقِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ طَفِيفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالْحَقَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَيْثُ احْتِقَارُ النَّاسِ لَهُ أَوْ فَنَاؤُهُ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ، وَنَحْوِهَا مَالٌ كَمَا ذَكَرَ مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنَّ كَوْنَهَا لَا تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كَمَا قَالَ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي قَبُولِ التَّفْسِيرِ بِهَا فِي قَوْلِهِ شَيْءٌ وَيَجْزِمُ بِالْقَبُولِ فِي مَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ وَنَحْوِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ هُنَاكَ (وَكَذَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِالْمُسْتَوْلَدَةِ) لِلْمُقَرِّ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهَا تُؤَجَّرُ، وَيُنْتَفَعُ بِهَا، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ، وَالثَّانِي: لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ اسْمِ الْمَالِ الْمُطْلَقِ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَبُولِ تَفْسِيرِهِ بِهَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ أَوْ يَقُولَ لَهُ: عِنْدِي مَالٌ، وَإِنْ قِيلَ: الْمُنَاسِبُ فِي صُورَةِ التَّفْسِيرِ بِهَا هُوَ الثَّانِي وَلَوْ فَسَّرَهُ بِوَقْفٍ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِلْكِ. ا هـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَوْقُوفِ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ: فَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ. وَ (لَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِكَلْبٍ وَ) لَا (جِلْدِ مَيْتَةٍ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ لِانْتِفَاءِ اسْمِ الْمَالِ عَنْهُمَا.
المتن: وَقَوْلُهُ: لَهُ كَذَا كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ، وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ، وَلَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ وَجَبَ دِرْهَمَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ فَدِرْهَمٌ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ.
الشَّرْحُ: (وَقَوْلُهُ): أَيْ: الْمُقِرِّ (لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ مَثَلًا عَلَيَّ (كَذَا كَقَوْلِهِ): لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ)، فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا مَرَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا مُبْهَمَةٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ، ثُمَّ نُقِلَتْ، فَصَارَ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي النَّوْعَيْنِ مُفْرَدَةً وَمُرَكَّبَةً وَمَعْطُوفَةً، تَقُولُ: نَزَلْنَا بِدَارِ كَذَا وَبِكَذَا كَذَا، أَوْ بِكَذَا وَكَذَا، وَهَكَذَا فِي الْعَدَدِ (وَقَوْلُهُ): لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا) وَلَوْ زَادَ عَلَى مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ (كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ)؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الِاسْتِئْنَافَ عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَوْ) كَرَّرَ مَعَ الْعَطْفِ كَأَنْ (قَالَ): لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ) مُتَّفِقَانِ أَوْ مُخْتَلِفَانِ، بِحَيْثُ يُقْبَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ شَيْءٍ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ الْمُغَايَرَةَ (وَلَوْ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ (كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ) أَوْ سَكَّنَهُ (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ)؛ لِأَنَّ كَذَا مُبْهَمٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَالنَّصْبُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ لَحْنٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَأَمَّا تَجْوِيزُ الْفُقَهَاءِ الرَّفْعَ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ لِسَانِهِمْ، وَالْجَرُّ لَحْنٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَالسُّكُونُ كَالْجَرِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَوَجْهٌ بِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَنْصُوبِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دُونَهُ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ عِشْرُونَ فِي حَالِ النَّصْبِ كَمَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَنْصُوبٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، وَإِلَّا لَلَزِمَ فِي حَالَةِ الْجَرِّ مِائَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَجْرُورٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ: فِي حَالِ الْجَرِّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ كَمَا قِيلَ بِهِ وَتَقْدِيرُهُ كَذَا مِنْ دِرْهَمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَذَا إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْآحَادِ لَا عَلَى كُسُورِهَا (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا) أَوْ كَذَا ثُمَّ كَذَا (دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ) تَمْيِيزًا (وَجَبَ دِرْهَمَانِ)؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَعَقَّبَهُمَا بِالدِّرْهَمِ مَنْصُوبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ الْمُتَعَقِّبُ لِشَيْئَيْنِ يَعُودُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَحْسُنُ التَّأْكِيدُ مَعَ وُجُودِ عَاطِفٍ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا بِالدِّرْهَمِ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَشَيْءٌ. أَمَّا الدِّرْهَمُ فَلِتَفْسِيرِ الثَّانِي. وَأَمَّا الشَّيْءُ فَلِلْأَوَّلِ الْبَاقِي عَلَى إبْهَامِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ مَعْطُوفٍ يُمَيَّزُ بِمَنْصُوبٍ. أُجِيبَ بِمِثْلِ مَا مَرَّ (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ) الدِّرْهَمَ (فَدِرْهَمٌ) وَالْمَعْنَى فِي الرَّفْعِ هُمَا دِرْهَمٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا: دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُمَا، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إعْرَابِ التَّفْسِيرِ. وَأَمَّا فِي الْجَرِّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ، وَكَانَ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى فِي اللُّغَةِ وَفِي الْعُرْفِ يُفْهَمُ مِنْهُ تَفْسِيرُ مَا سَبَقَ حُمِلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّصْبِ فَإِنَّهُ تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ، فَيَعُودُ إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ الرَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ خِلَافًا بَلْ جَزَمَ بِدِرْهَمٍ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ دِرْهَمَيْنِ (وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ) الْمَذْكُورَةِ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا لِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ وَلَا ابْنُ الرِّفْعَةِ لِلسُّكُونِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْ: حَذْفِ الْوَاوِ، وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْإِفْرَادِ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَخْفُوضِ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي التَّرْكِيبِ، وَالْعَطْفِ أَيْضًا. قَالَ: وَيَتَحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً؛ لِأَنَّ كَذَا إمَّا أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُفْرَدَةً أَوْ مُرَكَّبَةً أَوْ مَعْطُوفَةً، وَالدِّرْهَمُ إمَّا أَنْ يُرْفَعَ أَوْ يُنْصَبَ أَوْ يُجَرَّ أَوْ يُسَكَّنَ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ، وَالْوَاجِبُ فِي جَمِيعِهَا دِرْهَمٌ إلَّا إذَا عُطِفَ وَنُصِبَ تَمْيِيزُهَا فَدِرْهَمَانِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّ ثُمَّ كَالْوَاوِ أَيْ: وَالْفَاءُ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: كَذَا بَلْ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ شَيْئَانِ، وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ رَأَيْت زَيْدًا بَلْ زَيْدًا إذَا عَنَى الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذْ عَنَى غَيْرَهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ قَالَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ، الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ) مِنْ الْمَالِ كَأَلْفِ فَلْسٍ كَمَا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ؛ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ، إنَّمَا وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ، وَسَوَاءٌ أَفَسَّرَهُ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ أَجْنَاسٍ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِضَّةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً. ا هـ. . وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ إذْ لَا يُقَالُ: أَلْفُ حِنْطَةٍ وَيُقَالُ: أَلْفُ فِضَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا أَوْ خَفْضِهِمَا مُنَوَّنَيْنِ، أَوْ نَصَبَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ أَوْ نَصَبَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا، وَرَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ كَانَ لَهُ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِمَا عَدَدُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَلْفٌ مِمَّا قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، دِرْهَمًا) أَوْ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، أَوْ أَلْفٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ (فَالْجَمِيعُ) مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَمَا بَعْدَهَا (دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيح)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ نَصَبَهُ فِي الْأَخِيرَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ اللَّحْنُ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فِيهَا لَكِنْ مَعَ تَنْوِينِ نِصْفٍ أَوْ رَفْعِهِ أَوْ خَفْضِهِ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَزِمَهُ مَا عَدَدُهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَوَّنَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقُولُ: الْخَمْسَةُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ مُجْمَلَةٌ، وَالْعِشْرُونَ مُفَسَّرَةٌ بِالدَّرَاهِمِ لِمَكَانِ الْعَطْفِ فَأُلْحِقَتْ بِأَلْفٍ وَدِرْهَمٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. ا هـ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، فَالدِّرْهَمُ تَفْسِيرٌ لَهُ (وَ) الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ الْمُقِرُّ بِمَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ، فَعَلَى هَذَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا، وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قُبِلَ إنْ وَصَلَهُ وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ، وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ.
الشَّرْحُ: (لَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ) كَدَرَاهِمَ طَرِبَةٍ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ (فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ) أَوْ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا (تَامَّةَ الْوَزْنِ) أَيْ: كَامِلَةً بِأَنْ يَكُونَ وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِقَ (فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ) أَيْ: التَّفْسِيرُ بِالنَّاقِصَةِ (إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا) بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّامِّ وَضْعًا وَعُرْفًا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ دَعْوَى الصَّرَاحَةِ (وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ) وَيَلْزَمُهُ دَرَاهِمُ تَامَّةٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَعُرْفَ الْمَحَلِّ يَنْفِيَانِ مَا يَقُولُهُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مَعْرِفَةُ الدِّرْهَمِ التَّامِّ فَلْيُرَاجَعْ، وَإِذَا قَبِلْنَا تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصَةِ رُوجِعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيَانُهُ نَزَلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَاهِمِ (وَإِنْ كَانَتْ) دَرَاهِمُ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ (نَاقِصَةً قُبِلَ) قَوْلُهُ: (إنْ وَصَلَهُ) بِالْإِقْرَارِ جَزْمًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يُصَدِّقَانِهِ فِيهِ (وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ) عَنْهُ (فِي النَّصِّ) حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى عُرْفِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ حَمْلًا لِإِقْرَارِهِ عَلَى وَزْنِ الْإِسْلَامِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْإِسْلَامِيَّ مُتَّصِلًا قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ مُنْفَصِلًا فَلَا (وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (كَهُوَ) أَيْ: التَّفْسِيرِ (بِالنَّاقِصَةِ) فَفِيهَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقَانِ فِي النَّاقِصَةِ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ نَقْصٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ وَلَوْ فَسَّرَهَا بِجِنْسٍ مِنْ الْفِضَّةِ رَدِيءٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ، وَلَوْ مُنْفَصِلًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ، وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِدَفْعِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ، حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى سِكَّةِ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا فِي كُلِّ مَحَلٍّ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهِ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ، وَلَوْ فَسَّرَ الدَّرَاهِمَ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ كَالْفُلُوسِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَرَاهِمُ سَوَاءٌ أَقَالَهُ مَفْصُولًا أَمْ مَوْصُولًا نَعَمْ إنْ غَلَبَ التَّعَامُلُ بِهَا بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عَنْ الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُقْبَلَ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا، وَقَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ بِالتَّصْغِيرِ، أَوْ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ صَغِيرُ الْقَدِّ وَازَنَ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ وَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ فِي صَرِيحِ الْوَازِنِ، وَالْوَصْفِ بِالصَّغِيرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّكْلِ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَلَا يُتْرَكُ الصَّرِيحُ بِالِاحْتِمَالِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ نَاقِصَةً قُبِلَ قَوْلُهُ: إنَّهُ أَرَادَ مِنْهَا وَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ نَاقِصٌ مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَحَلِّ دَرَاهِمُ كِبَارُ الْقَدِّ وِزَانُ مُتَسَّعَةٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاسِعٌ مِنْهَا، كَمَا فِي التَّنْبِيهِ عَمَلًا بِالِاسْمِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ) إخْرَاجًا لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ، وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ، وَقِيلَ: عَشَرَةٌ إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لَهُمَا: كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ فَإِنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَبِيعَ هُنَاكَ السَّاحَةُ، وَلَيْسَ الْجِدَارُ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَذِكْرُ الْجِدَارِ مِثَالٌ، فَالشَّجَرَةُ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّحْدِيدُ لَا التَّقْيِيدُ. ا هـ. وَمَا بَحَثَهُ فِي الدَّرَاهِمِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي الضَّمَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْيَمِينِ وَالنَّظَرِ وَاحِدٌ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا: فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، فَقِيَاسُهُ لُزُومُ الْعَشَرَةِ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ مَحْصُورٌ، فَأَدْخَلُوا فِيهِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ أَوْ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ إلَى الْعَشَرَةِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا لَا يَشْمَلُهُمَا.
المتن: ، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ، أَوْ الْحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ) بِأَنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَعَ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَهُ (لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ) دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} فَإِنْ قِيل: قَدْ جَزَمُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ لِي فَمَعَ نِيَّةِ مَعَ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ قَصْدَ الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ بِمَثَابَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَالتَّقْدِيرُ لَهُ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ، وَلَفْظُ الْمَعِيَّةِ مُرَادِفٌ لِحَرْفِ الْعَطْفِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِهِمْ فِي جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِقَوْلِهِمْ: مَعَ عَمْرٍو، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ مَعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ الْمُصَاحَبَةِ، وَالْمُصَاحَبَةُ تَصْدُقُ بِمُصَاحَبَةِ دِرْهَمٍ لِدِرْهَمٍ غَيْرِهِ، وَلَا يُقَدَّرُ فِيهَا عَطْفٌ بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ، إلَّا دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَلْزَمُنِي، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ صَرِيحٌ فِي الْمَعِيَّةِ وَدِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ صَرِيحٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ، فَإِذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَعِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ الْمَعِيَّةِ بِالْمُصَاحَبَةِ لِدِرْهَمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرُ الْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَأَيْضًا امْتَنَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ لَا مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ نِيَّتِهِ فَلَوْ قُدِّرَ مَعَهُ مَجَازُ الْإِضْمَارِ لَكَثُرَ الْمَجَازُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا وُجُوبَ أَحَدَ عَشَرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ، وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ، فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِيهِ عَطْفُ الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَلْفِ وَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ، وَهَهُنَا بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْعَشَرَةِ تَقْدِيرًا عَلَى الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمُ غَيْرُ مُبْهَمٍ، فَكَانَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ الْمَعْطُوفِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ لَهُ إرَادَةٌ (أَوْ) أَرَادَ (الْحِسَابَ) وَهُوَ يَعْرِفُهُ (فَعَشَرَةٌ) تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْحِسَابُ فَدِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرِيدُهُ الْحُسَّابُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ الْمَعِيَّةَ وَلَا الْحِسَابَ، وَأَرَادَ الظَّرْفَ (فَدِرْهَمٌ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.
المتن: قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي بَيَان أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ مَعَ ذِكْرِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: لَوْ (قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ) بِضَمِّ الصَّادِ (لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ، إذْ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ، وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ (أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ، أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ) لَا الْمَظْرُوفُ لِمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ ظَرْفٍ وَمَظْرُوفٍ لَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِأَحَدِهِمَا إقْرَارًا بِالْآخَرِ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ أَوْ خَاتَمٌ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ أَوْ دَابَّةٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ أَوْ قَمْقَمَةٌ عَلَيْهَا عُرْوَةٌ أَوْ فَرَسٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ وَالْقَمْقَمَةُ وَالْفَرَسُ لَا الْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وَالسَّرْجُ، وَلَوْ عَكَسَ عُكِسَ الْحُكْمُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ، وَأَطْلَقَ، وَكَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كَانَ مُوصًى بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ، وَالثَّمَرُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ، وَكَانَ فِيهِ فَصٌّ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فِي خَاتَمٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ كَمَا مَرَّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمَوْقِعِ فِي الشَّكِّ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عِنْدِي (عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ يَدٌ عَلَى مَلْبُوسِهِ وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ: إذْ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ، وَبِنَاءُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: عِنْدِي (دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا) أَوْ عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ (أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لَزِمَهُ الْجَمِيعُ)؛ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا مَرَّ، وَالطِّرَازُ جُزْءٌ مِنْ الْمُطَرَّزِ، وَإِنْ رُكِّبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْجِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَيْهِ طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ. ا هـ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ يَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ. ا هـ. أَيْ: كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ لَزِمَهُ أَلْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقَّبَ بِهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ دُونَ الْأَلْفِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَلْفِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ لَوْ نَقَصَ، وَلَا يَغْرَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُعَرَّفِ، بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمَوْصُوفِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ، فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا، وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ، فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ): لَهُ (فِي مِيرَاثِ أَبِي) أَوْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي (أَلْفٌ) أَيْ: أَلْفُ دِرْهَمٍ (فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ). فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ مَثَلًا لَوْ تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ، وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الثَّانِي، فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَمَّ: وَلَهُ عَبِيدٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَبِيدِ أَلْفٌ، وَفَسَّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي نِصْفُهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ (وَلَوْ قَالَ): لَهُ (فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي) أَوْ فِي مَالِي أَوْ مِنْ مَالِي (أَلْفٌ فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ) أَيْ: وَعَدَهُ بِأَنْ يَهَبَهُ الْأَلْفَ، هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ لِغَيْرِهِ جُزْءًا مِنْهُ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ تَبَرُّعًا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ: كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ أَوْ لَهُ فِي مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ (وَلَوْ) كَرَّرَ الْمُقِرُّ الدِّرْهَمَ بِلَا عَطْفٍ، كَأَنْ (قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ) وَلَوْ زَادَ فِي التَّكْرِيرِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ.
المتن: فَإِنْ قَالَ: وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ) كَرَّرَ الدِّرْهَمَ مَعَ الْعَطْفِ، كَأَنْ (قَالَ): لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ (لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ)؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَثُمَّ كَالْوَاوِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَالنَّصُّ فِيهَا لُزُومُ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الْعَطْفَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَهَلَّا كَانَ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي أَوْ أَجْوَدُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ فِي الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى وَأَسْرَعَ نُفُوذًا، وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ اللَّفْظُ بِهِ فِي يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أَوْ لَا تَرَاجُعَ أَوْ خَيْرٌ مِنْك أَوْ نَحْوِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عَنْ مُقْتَضَاهُ. أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّمَنُ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمٍ فَقُبِلَ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ) عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ كَمَا مَرَّ (وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَإِنْ أَرَادَ) بِهِ (تَأْكِيدَ الثَّانِي) بِعَاطِفِهِ (لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ) عَمَلًا بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ نَوَى) بِهِ (الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ) عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ (وَكَذَا إنْ نَوَى) بِهِ (تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِلْفَصْلِ وَالْعَطْفِ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ دِرْهَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ تَأْكِيدُهُ وَهُنَا الثَّالِثُ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّانِي عَلَى رَأْيٍ، فَأَمْكَنَ أَنْ يُؤَكَّدَ الْأَوَّلُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَرَّرَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ بِعَدَدِ مَا كَرَّرَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ التَّأْسِيسَ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلثَّالِثِ مُقْتَضٍ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَطَعُوا بِهَا، وَقِيلَ قَوْلَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الطَّلَاقِ أَكْثَرُ، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ، وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فِي الثَّالِثِ، كَقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي الْمُؤَكِّد وَالْمُؤَكَّدِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمٌ لَزِمَ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَقَصَدَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ مَا قُبِلَ أَوْ لَكِنْ لِاشْتِمَالِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ، فَإِذَا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهَا إلَى إنْشَاءِ طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ: لَهُ هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فِي الْأَوَّلِ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ دُخُولِ مَا قَبْلَ بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مَعَ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لِي، أَوْ يُرِيدُ فَوْقَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذَّرَ التَّأْكِيدُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ، فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ يَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ، وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا اعْتِرَاضٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
المتن: وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ.
الشَّرْحُ: (وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ) وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ (كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ)؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ وَالثَّانِي: لَا يُحْبَسُ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِ الْحَبْسِ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ نَرْجِعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِسَابِ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ، وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ. وَمِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ: لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتَأْخُذَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ وَتُسْقِطَهُ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الشَّيْءَ الْمَفْرُوضَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَلْفًا إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو فَتُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بِسُدُسِ شَيْءٍ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ التَّامُّ سِتَّمِائَةٍ وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ، فَإِذَا أَخَذْت ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَأَسْقَطْته مِنْ الْأَلْفِ بَقِيَ ثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو.
المتن: وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ الْمُبْهَمَ تَبْيِينًا صَحِيحًا (وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) فِي ذَلِكَ (فَلْيُبَيِّنْ) جِنْسَ الْحَقِّ وَقَدْرَهُ (وَلْيَدَّعِ) بِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ) بِيَمِينِهِ (فِي نَفْيِهِ) ثُمَّ إنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ كَمِائَةٍ وَدَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ مِائَتَانِ، فَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ: لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ ثَبَتَتْ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا لَا عَلَى إرَادَةِ الْمُقِرِّ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَسَّرَ بِهِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ فِيهِ وَإِلَّا ثَبَتَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى الْإِرَادَةِ وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِك مَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يَثْبُتَانِ حَقًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لِأَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ مِنْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا يُخَالِفُ صِحَّةَ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ، فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ فِي حَالِ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَهُنَا سُؤَالَانِ ذَكَرَتْهُمَا مَعَ جَوَابِهِمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا،
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ: لِشَخْصٍ (بِأَلْفٍ) مَثَلًا فِي يَوْمٍ (ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ)، وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِهِ تَعَدُّدُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى، وَلَوْ عُرِفَ الْأَلْفُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ) الْمُقَرُّ بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ دُخُولُ أَحَدِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي الْآخَرِ كَأَنْ أَقَرَّ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ أَوْ عَكَسَ (دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ (فَلَوْ) تَعَذَّرَ كَأَنْ (وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ (أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا) أَيْ: الْقَدْرَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ قُيِّدَ أَحَدُهُمَا وَأَطْلِقَ الْآخَرُ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ صِفَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّ الصِّفَتَيْنِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْجِهَتَيْنِ إذْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا كَذَلِكَ
المتن: وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ،
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ) لَكِنْ (قَضَيْتُهُ) وَذَكَرَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا (لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِأَوَّلِ الْإِقْرَارِ وَإِلْغَاءً لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَتُعْتَبَرُ جُمْلَتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ كَقَوْلِهِ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِيمَانًا. أَمَّا إذَا فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَيَلْزَمُهُ جَزْمًا، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا، وَلَوْ قَالَ: كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَظَنَنْتُهُ يَلْزَمُنِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، فَيَحْلِفَ الْمُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَيُعْذَرُ الْجَاهِلُ دُونَ الْعَالِمِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ الصَّائِدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّنَا الَّذِينَ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ يَظُنُّونَ جَوَازَ بَيْعِهِ وَلُزُومَ ثَمَنِهِ ا هـ. لَكِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّحْلِيفِ كَمَا مَرَّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ، بِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ خَصَّصَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ كَأَنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ فِي عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ قَصْدَ ذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَوَصَلَهُ بِقَوْلِهِ (مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) أَوْ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مُنْفَصِلًا (لَمْ أَقْبِضْهُ) سَوَاءٌ أَقَالَ: (إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت) أَمْ لَا وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ وَطَلَبَ الْأَلْفَ (قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ)؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ (وَجَعَلَهُ ثَمَنًا) أَيْ: أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْعَبْدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا: أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ عَمَلًا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ مُتَّصِلًا كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ فَصَلَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَقَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجُعِلَ ثَمَنًا مَعَ قَبُولِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَنْكِيرِهِ وَتَعْرِيفِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُوَافِقُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَيُخَالِفُ عِنْدَ التَّنْكِيرِ فَأَشَارَ إلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ إنْ سَلَّمَ سَلَّمْت قُبِلَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: أَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لَا يُقْبَلُ وَهَذَا أَوْجَهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ: (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْأَلْفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ بَلْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُهَا مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَمَشِيئَةُ غَيْرِ اللَّهِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. وَقَالَ: الثَّانِي إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ يَرْفَعُ أَوَّلَهُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ دُخُولَ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ مَعْنَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ لِبَيَانِ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ تَبْعِيضِهِ حَذَرًا مِنْ جَعْلِهِ جُزْءَ الْجُمْلَةِ جُمْلَةً بِرَأْسِهَا إنْ تَبَعَّضَ الْخَمْرُ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِمَا مَرَّ إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ، فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَكِنْ مِنْ عَقِبِ إقْرَارِهِ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ ثَبَتَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ،، وَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ بِقُرْبِهِ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي الْحَالِ شَيْئًا، وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي (وَلَوْ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا أَوْ أَلْفٌ أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ) بَعْدَ الْفَصْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ثُمَّ (أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ) غَيْرُ أَلْفِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَدْتُهُ بِإِقْرَارِكَ (صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِعَلَيَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَيَّ بِمَعْنَى عِنْدِي وَفُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ أَلْفٍ آخَرَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إلَّا هَذِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ ظَاهِرَةٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ الْوَدِيعَةُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. أَمَّا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
المتن: فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ،، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ كَانَ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا) ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَفَسَّرَ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَبَقَ (صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ) بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ (عَلَى الْمَذْهَبِ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا دَيْنًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ أَلْفًا فِي ذِمَّتِي إنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ لِأَنِّي تَعَدَّيْت فِيهَا.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: هِيَ هَذِهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ كَانَ وَدِيعَةً وَتَلِفَ وَهَذَا بَدَلُهُ قُبِلَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَ لِتَفْرِيطِهِ، فَيَكُونُ الْبَدَلُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ وَصَلَ دَعْوَاهُ الْوَدِيعَةَ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِي وَدِيعَةً لَمْ يُقْبَلْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْقَبُولِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ التَّلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الْمُقِرِّ (التَّلَفَ) لِلْوَدِيعَةِ (بَعْدَ الْإِقْرَارِ) بِتَفْسِيرِهِ (وَدَعْوَى الرَّدِّ) بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَدِيعَةِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَالرَّدَّ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الصَّادِقُ بِالتَّعَدِّي فِيهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِصِدْقِ وُجُوبِ حِفْظِهَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّلَفِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ وَالْمَرْدُودَ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ، وَ) دَعْوَى (الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) بَعْدَ الْإِقْرَارِ (قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ عِنْدِي وَمَعِي مُشْعِرَانِ بِالْأَمَانَةِ.
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ) فِيهَا (ثُمَّ قَالَ: كَانَ) ذَلِكَ (فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ) فِي قَوْلِهِ بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْد الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ، وَجِهَاتُ الْفَسَادِ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَكْذِيبِهِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (حَلَفَ الْمُقِرُّ)، أَنَّهُ كَانَ فَاسِدًا (وَبَرِئَ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ: حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَكَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَبَرِئَ بِحُكْمٍ بِبُطْلَانِهِمَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي عَيْنِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَا فِي دَيْنٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِقْبَاضٍ عَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ، فَإِنْ قَالَ وَهَبْتُهُ لَهُ وَخَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ لَهُ وَأَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْته لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَى نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي الرَّهْنِ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا.
المتن: وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ) مَثَلًا الَّتِي فِي يَدِي (لِزَيْدٍ) لَا (بَلْ لِعَمْرٍو، أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ) لَا (بَلْ) غَصَبْتُهَا (مِنْ عَمْرٍو) نُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَ (سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا لِزَيْدٍ (يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ)؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَالْحَيْلُولَةُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ مِنْ يَدِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَغْرَمُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ الَّتِي بِيَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ أَوَّلًا تَسَلَّمَهَا زَيْدٌ بِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لَهُ الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فَفِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ إلَيْهِمَا أَوْ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِلْكَ عَمْرٍو، وَهِيَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنَافِعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ.
المتن: وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا، وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، وَمِنْهُ ثَنَى عَنَانَ دَابَّتِهِ، إذَا رَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الْإِقْرَار وَنَحْوِهِ عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً، وَاصْطِلَاحًا إخْرَاجٌ لِمَا بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فِي الْإِيجَابِ، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّفْيِ هَذَا (إنْ اتَّصَلَ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَوْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا سَبَقَ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَيَسْتَغْرِقُ، فَيَلْغُو، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ فُرِّقَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ، فَيَلْغُو، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ،.
المتن: فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ)، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَعَكْسُهُ كَمَا مَرَّ وَالطَّرِيقُ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ أَنْ يُجْمَعَ كُلُّ مَا هُوَ إثْبَاتٌ وَكُلُّ مَا هُوَ نَفْيٌ وَيُسْقَطُ الْمَنْفِيُّ مِنْ الْمُثْبَتِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ الْوَاجِبُ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ وَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ وَالتِّسْعَةُ مَنْفِيَّةٌ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إلَّا سَبْعَةً وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُثْبَتَ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَك طَرِيقٌ آخَرُ، وَهِيَ أَنْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَهُ فَتُخْرِجُ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التِّسْعَةِ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمُحَصِّلٌ لَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، هَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَكْنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ مَا لَمْ يُرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ، لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ مَالٌ إلَّا مَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا، فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْإِلْغَاءُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ، فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَهُ لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةٌ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً، خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ، فَجُعِلَ النَّفْيُ الْأَوَّلُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ؟ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ.
المتن: وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ) الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) أَيْ: جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (إلَّا ثَوْبًا) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقَوْله تَعَالَى {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ) حَتَّى لَا يَسْتَغْرِقَ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَطَلَ التَّفْسِيرُ، وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَأَسْقَطَ مِنْهُ الدِّينَارَ لِمَا مَرَّ حِيلَةٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ لَهُ جَحَدَهُ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ، وَتُقَوَّمُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَيُسْقِطُهَا مِنْ الْأَلْفِ.
المتن: وَمِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ الْمُعَيَّنِ) كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُطْلَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا أَمْ مَعْلُومًا (كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ، إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ) أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ لَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ، وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمُحَالٍ (وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ)، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمِلْكَ فِيهَا تَضْمِينًا، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.
المتن: قُلْت: لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَقَالَ: (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا (لَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ)، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا شَيْئًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالدَّيْنِ (وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنْ مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي: لَا يُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ. أَمَّا لَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتهمْ إلَّا وَاحِدًا فَمَاتُوا وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بَاقٍ وَهُوَ الضَّمَانُ. فُرُوعٌ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِثَالِثٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ، وَلِذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَأْخَذِ كَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ وَنَظَائِرِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ. ا هـ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ النَّصِّ كَمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ دَارِهِ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَالَ: أَرَدْتُ دَارَةَ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِعَجْزِهِ عَنْ الْفَسْخِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ حَتَّى الْفَرْوَةُ لَا الْخُفُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الثِّيَابِ.
|